الأحد، 26 يناير 2014

تبسيط للسيرة النبوية




(1)

بعث الله سيدنا ابراهيم واسماعيل و موسى و عيسى بالتوحيد والمنهج الرباني وبين كل نبي وآخر فترة من الزمن يتسرب فيها الهوى و الإنحلال إلى النفوس و التحريف والتبديل للكتب السماوية، هذا بالإضافة إلى غواية الشيطان و قعدانه لهم الصراط المستقيم قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ .. فيبعث الله الرسل لتذكرهم بالتوحيد وتدعوهم اليه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .. و كانت الفترة قبل بعثة سيدنا محمد من أحط فترات التاريخ الانساني ومن أكثرها فوضى في كل النواحي فكان هناك البغاء و كانت المرأة تُورث للإبن بعد موت الأب ،و كان هناك عبيد مقهورين مستضعفين ،و تبني واختلاط أنساب ،وكان هناك ربا ، ووأد البنات ، و سطو و سبي نساء وأطفال ، و كان هناك خمر و عبادة أوثان يشركون بها عبادة الله أو يتوسطون بها الى الله
هذا عن أحوالهم السيئة .. لكنهم ما خلوا من بعض الصفات الحميدة مثل الكرم و حفظ العهود و المواثيق(احترام الكلمة ) وإجارة المستجير بهم و منعه من المعتدين ( يرون أنه من الندالة التخلي عن من لجأ إليهم ) .

(2)

قصة دخول الأوثان الى مكة
من المعروف أن مكة بها بيت الله الحرام و كان البيت يقدسه العرب و خاصة قريش و كانوا يعبدون الله حتى سافر أحد سادة العرب ( عمرو بن لحي ) إلى الشام وكانت الشام ضمن الدولة الرومانية التي كانت تعبد الأوثان فرآهم يعبدونها و يتقربون إليها فسألهم ما هذه ؟ قالوا آلهة نستمطرها فتمطرنا و نستنصرها فتنصرنا فصدقهم بكل سذاجة وعجبه أن يأتي بهذه الفكرة الجديدة الى العرب حتى يكون محط أنظارها و محور حديثها و اهتمامها .. فسألهم صنما يرجع به الى قريش .. فأعطوه .. و رجع به وسألته العرب عنه .. فقال بكل زهو أصناما استمطروها تمطركم واستنصروها تنصركم فصدقه معظمهم ( واضح ان عقدة الانبهار بـ الأفكار الأجنبية و التقليد الأعمى موجودة من زمان ) و بمرور الوقت أصبح لكل قبيلة صنما يقدسونه و يعبدونه مع الله او يعتقدون أنه وسيط الى الله و توارثتها الأجيال ..
(3)


أما عن قريش فانحدرت من نسل كنانة .. و قريش عدة قبائل أشهرها زُهرة و مخزوم و قصي بن كلاب >> التي تفرعت الى قبيلة بني هاشم ، وبني عبدالمطلب وغيرها
يقول رسول الله " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ،واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم "
وكانت قبائل قريش هي المشرفة على الكعبة و على زوار الكعبة




 

(4) 

كان عبدالمطلب جد الرسول من أشراف مكة وكان له أولاد منهم عبدالله وأبو لهب و أبو طالب والعباس و حمزة وغيرهم وكان عبدالله أحبهم إليه
تزوج عبدالله بن عبدالمطلب بـ أشرف نساء مكة نسباً وهي السيدة آمنة بنت وهب من قبيلة عبدمناف وأدركته المنية بعد زواجه بشهور قليلة بعد أن حملت السيدة آمنة .. وكأن الله يقول له لقد انتهت مهمتك في الدنيا و سأتولاه أنا بتربيتي و بعنايتي
و لقد رأت السيدة آمنة رؤيا و هي حامل فيه أنه يخرج من بطنها نوراً أضاءت له أعناق الإبل في بصرى فاستبشرت بشأن عظيم للوليد القادم
وكانت من عادة العرب أن يُستَرضع أولادها من مرضعات البدو لعامين كاملين حتى يتشرب اللغة العربية الفصحى و حتى يتعود على خشونة الحياة اذ كانت مكة تنقسم الى بدو متنقلين على الأطراف و حضر و هم من حول الكعبة في المجالس المترفة و الأسواق



(5) 


جاءت المرضعات تبحث عن المواليد الجدد و منهم حليمة السعدية فعُرض عليها سيدنا محمد وهو وليد صغير فأبت لأنه يتيم و إنما سيكرمها في أجرها من له والد .. فبحثت عن غيره فلم تجد .. فكرهت أن تعود خالية الوفاض فرضيت به مضطرة .. و كانت حليمة و زوجها فقراء و كان لهم إبن صغير يقرب سيدنا محمد في العمر و كانت ترضعه فلا يشبع من فقر ثدييها باللبن و كان لا يسكت عن البكاء من الجوع حتى أن أبوه وأمه لا يستطيعان النوم من فرط بكائه .. و كان لهم أغنام ضعيفة هزيلة من الجدب و الفقر الذي يعيشون فيه و كذلك كان الحمار الذي ترحل عليه .. فما إن حملته و رجعت به حتى تغير كل شئ .. فصح بدن الحمار و قوى وهم في الطريق للعودة ،و فاض ثديها باللبن و شبع ابنها و كذلك سيدنا محمد .. و بعد أيام سمنت ماشيتها و أدرت اللبن و انهالت عليهم الخيرات و استغرب الجميع .. وكان يتزايد عندهم اليقين بأنهم أصابوا نسمة مباركة ألا وهو سيدنا محمد
.




(6) 


وبعد أن انقضى العامان قدموا الى مكة ليردوه الى أمه وهم كارهون لذلك محبة له و لبركته .. فحاولوا اقناع أمه السيدة أمنة بنت وهب ببقائه عندهم وقالوا لها أنهم يخشون عليه وباء مكة فوافقت .. و لما رجعوا و مر ثلاث أشهر أو أربعة .. جاء أخوه في الرضاعة يجري الى أمه وأبيه و يقول لها أن هناك رجلين عليهم ثياب بيض أضجعا أخي محمد القرشي و شقا بطنه فأصابهم الذعر و جروا إليه فوجدوه قد تغير لونه وما إن رآهم حتى جرى إليهم باكياً .. و حكى لهم أن هناك رجلين عليهم ثياب بيض قدماني فأضجعاني على الأرض و وشقا بطني ووضعا فيه شيئا ثم رداه كما هو" فخافا عليه فقال لها زوجها رديه إلى أهله ..
فجاءت به مكة إلى أمه فأنكرت شأنهم .. و استغربت بعد ما كانا مستمسكين به .. فعرفت ان هناك شيئا فلم تتركهم حتى حدثاها بما حدث فقالت والله لا يفعل الله ذلك به .. و حدثتهم عن رؤيتها و عن حمله الخفيف و دعتهما يرحلان .

(7) 


وعندما بلغ النبي 6 سنين أخذته أمه لزيارة أخواله و ماتت في طريق العودة في مكان اسمه الأبواء بين مكة و المدينة و كفله و تولى رعايته جده عبدالمطلب بعد ذلك
و كان عبدالمطلب من أسياد مكة و كان له هيبة حتى اذا جلس حول الكعبة في مجلس .. يهابه أبناؤه ولا يجرؤ أحد منهم على الجلوس بجانبه ولكن سيدنا محمد ذو الست سنوات كان يفعل و يجلس بجانبه .. وكان أعمامه يحاولون ابعاده فيمنعهم عبدالمطلب و يقول لهم أنه يتنبأ له بـ شأن عظيم .. و بعد عامين مات جده عبدالمطلب فكفله عمه أبو طالب .. ( مات عبدالمطلب والرسول 8 سنوات ).


(8) 


كان عمه أبو طالب مُقلاً في الرزق فعمل سيدنا محمد ليساعده في رعاية الأغنام لأهل مكة عدد من السنين شحذته وأمدته بسنوات من التأمل والإعتماد على النفس والتحمل و أعدته لتلقي النبوة.. وكان عمه أبو طالب يصطحبه في يوم الى الشام في قافلة تجارية فمروا على راهب نزل وسطهم و تخللهم وأخذ بيد النبي وقال هذا سيد العالمين و نبي مرسل فقال له عمه وأشياخ القافلة : ما علمك؟ قال ما مررتم على شجر ولا حجر الا وسجد له وما يسجدان إلا لنبي .. واني لاعرفه من خاتم النبوة تحت كتفه على شكل تفاحة .. و كان قد ذهب ليعد لهم طعاما فلما أقبل لاحظ أن سيدنا محمد تظله غمامة فقال انظروا الى الغمامة فاقترب سيدنا محمد من شجرة فمالت الشجرة عليه فقال انظروا كيف مالت الشجرة عليه .. وناشد أبو طالب أن يرده الى مكة و أخذ يناشده حتى رده عمه أبو طالب إلى مكة خوفا عليه من الروم .|


(9)


كبر محمد و عرف عنه الصدق و الأمانة و كان له قبول كبير في قريش .. وكانت السيدة خديجة أرملة ذات شرف و نسب و مال .. و كانت تتاجر بمالها و تستأجر الرجال ليذهبوا بقوافل التجارة الى الشام فيبيعوا السلع و يشتروا غيرها من سلع الشام ليبيعوها في مكة .. ولما سمعت عن صدق وأمانة محمد و كرم أخلاقه عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام فوافق فباع و ابتاع و عاد فباع ما أتى به من الشام و تضاعف المال و زاد الكسب وكان معه في رحلته غلام للسيدة خديجة يتاجر بمالها اسمه ميسره فرافقه طوال الرحلة وعجب من دماثة خلقه و أمامنته و بركته فحدث السيدة خديجة عن ذلك فمال قلب السيدة خديجة الى محمد و كانت أربعين سنة و كان سيدنا محمد 25 سنة .. وأفضت ما بنفسها إلى صديقتها نفيسة فذهبت نفيسة الى محمد تعرض عليه الزواج بالسيدة خديجة فوافق و فاتح عمه و وافق .. فـ نعم النسـب خديجة .. فتزوجها وأنجبت له غلامين ( القاسم و عبدالله) وأربع بنات( زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ) و لم يتزوج غيرها حتى ماتت .


(10)

كان زواج الرسول بالسيدة خديجة قد عافاه من انفاق الوقت في رعي الأغنام و وفر له وقت لفعل محبب جدا كان يفعله ألا وهو الخلاء بنفسه والتأمل و التعبد في غار حراء فكان سيدنا محمد غير مقتنع بالأوثان ولم يسجد لصنم قط .. وكان حنيفيا على ملة إبراهيم .. فكان يمكث الليالي حتى ينفذ الزاد فيرجع ليتزود .. حتى في يوم جاءه جبريل عليه السلام في الغار وضمه ضمة قوية وقال له إقرأ فقال له الرسول ما أنا بقارئ .. و كررالضمة و إقرأ .. و قال الرسول ما أنا بقارئ ..و ضمه ثالثةً وقال " إقرأ بسم ربك الذي خلق .. خلق الإنسان من علق .. إقرأ وربك الأكرم .. " فخرج من الغار وهو يرجف فؤاده و عاد بيته مسرعاً و قال لخديجة زملوني زملوني .. حتى اذا ذهب عنه الروع حكى للسيدة خديجة .. فاستبشرت وشكت في أمر النبوة و طمأنته وقالت والله لا يخزيك الله أبدا إنك لـ تصل الرحم تحمل الكل( ينفق على اليتيم و المسكين ) و تقري الضعيف( تعينه و تنصره) و تكسب المعدوم( يعطيه) و تعين على نوائب الحق .. و ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان على دين النصرانية وكان يحكي عن نبي آخر الزمان و ينتظره .. فقصوا عليه ما حدث فأخبره أن ما آتاه هو الناموس الذي نزل على موسى وأنه لنبي و قال له أنه اذا عاش حتى يُبعث و يظهر على الناس ليؤازره و ينصره .. و خاصة حين يخرجه قومه فسأله سيدنا محمد : أمخرجيي هم؟ قال له ورقة أن كل من يؤتى مثل ما أوتيت يخرجه قومه . . ثم توفى ورقة بعدها و غاب الوحي لفترة.




(11)


عرف النبي بعد زيارته لورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة - إثر حادثة نزول الوحي في غار حراء - أنه نبي مُرسَل و مرت أيام أهلته لإستيعاب الدور الجديد الموكل إليه .. وبعد فترة من غياب الوحي بعد نزوله أول مرة .. أتاه مرة أخرى وبلغه يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ .ففهم النبي أنها إيذاناً ببدئ الدعوة الى الله و تعظيمه هو فقط ولا شئ من مخلوقاته فبدأ بـ أهل بيته وكان أول من آمن به طبعا زوجته السيدة خديجة بنت خويلد و علي بن أبي طالب وكان صبياً ضمه الرسول إليه ليرعاه إذ أن عمه أبو طالب له كثير من الولدان وكان مُقلاً فآثر ضمه إليه كما اقترح على أعمامه نفس الشئ أن يضم كل منهم أحد أبناء أبي طالب يرعاه .. و آمن به زيد بن حارثة وهو مولاه ( يعني كان عبدا فتم عتقه وأصبح حراً ولكنه قرر البقاء مع رسول الله) .. كذلك آمن بنات النبي جميعهن .. وصديقه أبو بكر .. و قام أبو بكر بدعوة 5 رجال : عثمان بن عفان ، وعبدالرحمن بن عوف ، و سعد بن أبي وقاص ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله. و مضت الدعوة سرية وفردية تقوم على اصطفاء العناصر التي تصلح أن تتكون منها نواة الإسلام و يؤتمن لها و يُوثق بهم .. فكانت تلك هي الدفعة الأولى و تلاها دفعة ثانية و ثالثة .. و تقريبا كانوا 40 رجل وإمرأة بعد 3 سنوات من الدعوة سراً.




(12)

كانت الدعوة تتم في كتمان وسرية و كان من يعلم شيئا من القرآن تلاه عليه الرسول بعد استقباله بالوحي .. يعلمه لغيره .. و اتفق الجميع أن يكون الإجتماع في دار الأرقم بن أبي الأرقم وهو مسلم وصحابي منهم .. وبعد مرور فترة نزل قول الله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وكانت إيذاناً بالجهر بالدعوة .. فصعد النبي على جبل الصفا و نادى في قريش .. وسألهم : أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا : ما جربنا عليك إلا صدقاً .. فقال : فإنني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ... و قد فُهم من مضمون الكلام إعلانه لنبوته بينهم و كان أبو لهب حاضرا فلما سمع هذا قال له تباً لك سائر اليوم .. فأنزل الله تعالى " تبت يدا أبي لهب وتب " .. واجتهد النبي في الدعوة حتى أنه كان يدعوا كل من يقابله و يصادفه و يتبع الناس في محافلهم و مجالسهم و مواسم الحج باختلاف بلدانهم وقبائلهم .. وكان يقابله الناس بالصد و السخرية و التكذيب و الإيذاء الذي تصاعد مع الوقت.

(13)
وكانت اعتراضات المشركين على دعوة الإسلام كالتالي:
- كانت قريش تعرف أن الله خلقهم وخلق كل شئ لكن كانت عبادتهم الأوثان كأنها وسيط بينهم و بينه .. فكرة عقيدية راسخة لديهم إذ توارثوها عبر قرون .. وكانوا يعتقدون أن لله صاحبة من الجن و أن الملائكة بنات الله ! سبحان الله و تعالى عما يصفون.
وكانوا لا يصدقون في الآخرة و يعتبرون الموت هو النهاية ولا شئ بعد الموت .. وكانوا يظنون أن الله اذا كان باعثا فيهم رسولا فكان لابد أن يكون ملكاً أو مصحوبا بالملائكة أو تنزل عليهم رسالات بأسمائهم من السماء ( الى فلان بن فلان .. بإسمه ) او على الأقل يكون رجل كثير المال و ذو مكانة عظيمة .. و اعترضوا على القرآن و تساءلوا لماذا لم ينزل مرة واحدة و نزل متفرقا مع ان نزوله متفرقا يعطي فسحة لتدارسه و استيعابه و التأهل للنزول عند أوامره و نواهيه .. (سُنة التدرج).. لا شئ يتغير مرة واحدة .. التغيير يلزمه تدرج.

(14)



وكانت أساليب المشركين في محاربة الدعوة (لأنها عابت آلهتهم وسفهت أفكارهم و عاداتهم ) تتلخص في التالي :
- الضغط عليه بواسطة عائلته .. كلموا عمه أبو طالب ليقنعه بالعدول عما يقول و يفعل فأبى سيدنا محمد .. فقال لهم " ما كذب ابن أخي قط .. فأرجعوا" وردهم وأعلن حمايته و منعه لرسول الله .
-الحرب الإعلامية .. فقد نسبوا إليه الجنون و الكهانة و الشعر و السحر .. واتفقوا أخيراً على أنه ساحر .. وأذاعوا بذلك .. وكان أبو لهب عم الرسول أشد عداوة للاسلام و لمحمد وكان يمشي ورائه كلما جلس عند قوم يدعوهم يقول لهم لا تسمعوا له إنه ابن أخي و هو مجنون !
الحرب النفسية : كان كلما مر على مجلس سخروا منه و ينادونه أما كُلمت اليوم من السماء؟ !
- الايذاء البدني.. فوضعوا الشوك في طريقه و القذر على بابه والأذى على ظهره وهو ساجد يصلي و ضربوه .. وبصق عدو الله أمية بن خلف في وجهه .. و تصاعد الأذى إلى أن اتفقوا جميعا على قتله ( يوم الهجرة وسيأتي الحديث عنها).
- ايذاء المسلمين حيث ضُرب أبو بكر و عذب خباب بن الأرت بسيخ محمي .. و عذب بلال بالجلد و الصخور المحمية و مصعب بن عمير و عبدالله بن مسعود و آل ياسر و غيرهم من الصحابة الكثيرين الذين صبروا على تعذيب و بلاء عظيم حتى قامت دعوة الإسلام.




(15)


- لما تعبت قريش و استنفذت كل الطرق لكف محمد عن الدعوة للدين الجديد لجأت إلى أسلوب المفاوضات فأرسلوا اليه عتبة بن ربيعة عارضا عليه وقائلا ان أردت النساء زوجناك عشرا من أجمل نساء قريش و ان أردت مالا جمعنا لك فتكون أغنى الناس فلما فرغ رد عليه الرسول بسورة حم من بدايتها الى قوله " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود" فقال حسبك ! لأنه ما جرب عليه الكذب قبل ذلك و خرج الى قومه يقنعهم بأن يخلوا بين الرجل ودعوته فإن كان على حق كانوا أسعد الناس به و ان كان على باطل ستندثر دعوته معه .. فقالوا له سحرك يا أبا الوليد. وفشلت هذه المفاوضة في رد محمد عند دعوته.
- المحاولة الثانية : أرسلوا اليه 3 من سادات قريش يعرضون عليه أن يعبدوا معه الهه بجانب آلهتهم و أن يعبد هو مع الله آلهتهم فأنزل الله " قل يا أيها الكافرون .. لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولاأنا عابد ما عبدتم .. ولا أنتم عابدون ما أعبد .. لكم دينكم ولي دين"
- اتبعت أيضا أسلوب التعجيز بأنهم أخذوا يطلبون بأن ياتي بالله ولالملائكة أو أن يرتقي في السماء أو يبعث أجدادهم من الموت و أخرى من الأمور التعجيزية التي لا تعجز الله ولكنها أمور طلبها بني اسرائيل من قبل و حدثت لهم المعجزات و كفروا بعدها .. و وعدهم الله بعذاب عظيم .. فخاف الرسول عليهم من ذلك .. فقال لهم ما بعثت لذلك .. إنما أبلغكم ما أرسلت به إليكم .
- و اتبعت أيضا اسلوب الحصار الإقتصادي فعقدت قريش فيما بينها وثيقة علقوها في الكعبة تنص على مقاطعة بني عبدالمطلب بشكل كامل فلا يناكحوهم ولا يبتاعوا منهم ولا .. ) مقاطعة كاملة و قطعوا أسباب الرزق عنهم لمدة 3 سنين حتى اضطروا الى أكل أوراق الشجر ! حتى سخر الله خمسة منأشراف قريش أخذتهم الرحمة على أبناء عمهم فنقضوا الصحيفة أمام القوم .. و بهذا انتهت أزمة الحصار الإقتصادي.




(16)


لم تكن قريش أهل علم وكتاب .. وكانوا أميين .. وكانوا يجاورون اليهود وهم أهل كتاب و بهم علماء وأحبار .. وكانوا في انتظار النبي الذي حدثتهم به التوراة ولكن صدموا صدمة كبيرة عندما بعث النبي من العرب اذ كانوا منتظرين أن يكون منهم و من بينهم .. وعندما سمعت قريش بقول محمد بأنه أُوحي اليه و أنه أُنزل عليه كتاب سماوي .. فكروا في سؤال اليهود ( الذين لهم كتاب سماوي أيضا ) .. ليس ليتثبتوا من نبوته بل ليعجزوه .. فأرسلوا النضر بن الحارث و عقبة بن معيط اليهم .. فقالوا لهم اسألوه عن 3 أشياء ان أخبركم بهن فهو نبي و ان لم يخبركم فافعلوا به ما شئتم .. اسألوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما أمرهم؟ و عن رجل جاب مشارق الأرض و مغاربها و عن الروح؟ .. فقدموا على سيدنا محمد وسألوه فقال لهم سأخبركم غدا .. وانتظر الوحي ليجيبه .. فلم ينزل الوحي 15 ليلة ! .. ولما تأخر الوحي شك الناس في أمره وحزن النبي وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة حتى نزل الوحي بسورة الكهف فيها معاتبة له ( و لا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) .. و فيها قصة أصحاب الكهف و قصة ذو القرنين .. و أنزل الله تعالى أيضا " قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" ..





(17)

- اشتد البلاء على الصحابة و ازدادت مكة تعذيبا لهم فلما رأي الرسول ذلك أمرهم بالهجرة الى الحبشة و قال لهم أنها عليها ملك اسمه النجاشي لا يُظلم عنده أحد .. حتى يجعل الله لهم فرجا .. فخرجوا من الليل و سمعت بهم قريش فحاولوا أن يدركوهم و يمنعوهم فلم يدركوهم لأن المسلمين قد غادروا بالفعل و أبحروا إلى الحبشة وكان عددهم عشر رجال و اربع او خمس نسوة .. و فيهم جعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم .. و كانت هذه أول هجرة في الإسلام .. الهجرة إلى الحبشة عام 5 بعد البعثة النبوية .
- بعد 3 شهور من الهجرة أسلم حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول و أسلم عمر بن الخطاب .. و كان ذو شكيمة و قوة و كلمة و هيبة .. ففرح المسلمون بذلك .. و امتنع بهم المستضعفون .. و لأول مرة كانوا يصلون حول الكعبة دون خوف من الايذاء بعد اسلام عمر و حمزة !
- لما سمع المسلمون في الحبشة بذلك فرحوا و قرروا العودة الى مكة ظنا منهم أن لا ايذاء بعد عمر وحمزة ولكن قريش استخدمت سلاح أكثر دهاء و قسوة و مكر و هو المقاطعة الاقتصادية (و تم ذكرها في الفقرة رقم 15).. فلما علم المسلمون بذلك رجعوا إلى الحبشة مرة أخرى و سميت هذه الحركة .. الهجرة الثانية إلى الحبشة و انضم اليهم عدد كبير ممن لم يهاجروا قبلها .


(18)

حاولت قريش استرجاع المسلمين من الحبشة خوفا من أن تقوى شوكتهم و تنتشر دعوتهم فيؤثر ذلك على مكانة مكة و سمعتها و اقتصادها أيضا فبعثوا 3 منهم عمرو بن العاص أن يسلم بهدايا كثير للنجاشي و حاشيته و سألوه أن يسلمهم لأنهم خرجوا عن دين اجدادهم وليسوا على دينك وأتوا بدين جديد فرق بين الولد و والده و المرء و زوجه و أثار فتنة كبيرة في مكة و ان أشراف مكة بعثونا إليك لنسترجعهم .. و كان النجاشي عادلا حكيما فأمر بالمسلمين أن يحضروا ليسمع منهم فتكلم جعفر بن أبي طالب فشرح له الدين الجديد و دعوته في التوحيد وترك عباة الأوثان و نهيانه عن الفحش و الظلم و قول الزور و دعوته للصدق و حسن الجوار و صلة الرحم و و و حتى حكى له ما كان من قومهم أنهم قهروهم و ظلموهم و شقوا عليهم و حالوا بينهم و بين دعوتهم فلم يجدوا مخرجا الا الحبشة لعلمهم أن ملكها عادل .. فلما انتهى جعفر ابن أبي طالب .. سأله النجاشي أن يتلو عليه شئ من القران فقرا عليه صدر سورة مريم فتأثر النجاشي و بكى و قال و الله إن هذا و الذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . و رد الوفد القرشي و قال و الله لا أسلمهم لكم أبدا.

(19)
- حاول الوفد استرداد المسلمين بحيلة ماكرة أخرى في اليوم التالي .. فقالوا للملك النجاشي - وكان نصرانيا على دين عيسى - إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيما .. فجاء بهم و سألهم فرد جعفر ( المتحدث الرسمي باسم المهاجرين المسلمين في الحبشة) وقال هو عبدالله ورسوله وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول .. فأخذ النجاشي عودا صغيرا من الأرض و قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت - هذا العود. (يعني ماتعدى ما قلت و لو بمقدار هذا العود) .. وكان من ثمرات هذا الحوار اسلام النجاشي و لكنه أخفى اسلامه عن قومه لما علم فيهم ثباتهم على الضلال.




(20)

و بعد مرور الوقت توفى أبو طالب عم الرسول الذي كان يؤازره و يحميه وعندما كان على فراش الموت جاءه الرسول و كان حوله بعض أسياد قريش المشركين فقال له الرسول قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال لولا أن يعيروني بها لقلتها و مات و لم يقل لفظ الشهادة و حزن النبي و هنا أنزل الله " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " .. و في نفس العام توفت خديجة زوجة الرسول التي كانت تواسيه و تصبره و سمي هذا العام بعام الحزن .. وكان قبل الهجرة الى المدينة ب 3 سنوات .. و ابتدت مرحلة عصيبة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ..




(21)


بعد وفاة زوجته التي كانت تؤازره و عمه الذي كان يحميه .. اشتد إيذاء المشركين له و تكالبت المحن على رسول الله في بلده الذي نبت فيه ( مكة) ،فعزم على الإنتقال إلى بلد آخر و قوم آخرين يعرض عليهم دعوته و يلتمس نصرتهم .. ففكر في الطائف فخرج إليها ( هو و مولاه زيد بن حارثة) والطائف أقرب البلاد إلى مكة .. ويسكن الطائف قبيلة ثقيف .. فعمد إلى أسيادهم وهم أخوة ثلاث " عيدياليل و مسعود وحبيب بن عمرو " .. ولكن بني عمرو كانوا شديدي الحذر و التخوف فلم يستجيبوا لدعوة رسول الله بل بالغوا في السفه وسوء الأدب .. فطلب الرسول منهم بعد ما رأى من عدم استجابة أن يكتموا عنه ( حتى لا تسخر منه قريش و تزيد في اضطهاده) .. فلم يفعلوا بل أغروا به صبيانهم فـ سبوه و رشقوه بالحجارة حتى دميت عقباه و تلطخت نعلاه بالدم حتى ألجأوهما إلى حائط بستان لـ عتبة و شيبة ابنا ربيعة .. حتى رجع عنهما أهل الطائف .. في هذه اللحظة المليئة بالألام النفسية و الجسدية .. دعا الرسول دعائه المشهور .." اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي و قلة حيلتي وهواني على الناس .. يارب المستضعفين و ربي .. إلى من تكلني؟ .. إلى آخر الدعاء "
فجاءه جبريل في غمامة و قال له أن الله قد سمع ما قلت للقوم و ما ردوا به عليك و قد أرسل معي ملك الجبال لتأمره بما شئت .. فقال ملك الجبال .. إن شئت أطبق عليهم الأخشبين .. فقال الذي أُرسل رحمة للعالمين .. " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا"

(22)

لما انصرف عن أهل الطائف الذين لم يجيبوه و رشقوه بالحجارة .. ذهب إلى غار حراء على أطراف مكة و لم يدخلها .. فبعث إلى " المطعم بن عدي " سيد من أسياد مكة و قال له " ْأدخل ف جوارك؟ قال نعم " و قال لأبنائه البسو السلاح و كونوا عند أركان البيت .. و قام في قريش قائلا .. يا معشر قريش إني قد أجرت محمداً .. و دخل محمد مكة و صلى جوار الكعبة و أبناء المطعم بن عدي يحرسونه بالسلاح حتى دخل إلى بيته
وكما هي السنن الإلهية " بعد كل محنة منحة " فكانت منحة الله الى رسوله ليخفف عنه و يزيده يقينا و ثباتا .. هي رحلة الإسراء و المعراج المعروفة التي رأي فيها بعض أحوال أهل الجنة و النار والتي فرضت فيها الصلاة الحالية و خاطب الله رسوله فيها بدون ترجمان و التقى فيها الرسول بالأنبياء و صلى بهم في بيت المقدس .. و أخبر رسول الله الناس بذلك .. و كان هذا الخبر فتنة لأناس كثيرين فارتد منهم البعض بعد أن كانوا مسلمين .. ( كانت فتنة لغربلة المؤمنين من المتشككين ) لأن الله سيقدر بعدها الهجرة الى المدينة و بناء اللبنات الأولى للدولة اسلامية .. فكان لابد من اختيار المؤمنين القوي و الثابت ايمانهم لتقوم على أكتافهم و ليس المتشككين الذين ستهتز فوق أكتافهم دولة الإسلام الجديدة .



(23)

كان من أساليب المشركين و خاصة أبو لهب و أبو جهل في محاربة سيدنا محمد هو تتبعه بين الناس .. كلما التقى بوفد أو أحد و كلمه .. قالوا له أنه مجنون .. فسلك سيدنا محمد طريقة أخرى و هي دعوة وفود القبائل في موسم الحج ليلاً حتى لا تتبعه أنظار قريش و تعترضه .. فقابل الرسول وفداً عند عقبة مِنى ( العقبة تعني طريق وعر و صعب في الجبال - و مِنى هو جبل مِنى ) وسألهم من أنتم؟ قالوا نفر من الخزرج (و كانوا 6 رجال - و قبيلتا الأوس و الخزرج من سكان يثرب- ( التي أصبحت بعد ذلك المدينة المنورة بعد أن دخلها الرسول ) - قال : أفلا تجلسون أكلمكم .. و عرض عليهم الاسلام و ملامحه و تلا عليهم القرآن .. فصـــدقوه و قبلوا ما عُرض عليهم و قالوا لبعضهم : إنه الرسول الذي تنتظر خروجه اليهود فلا يسبقونكم إليه .. و رجعوا إلى قومهم في المدينة داعين الى هذا الدين الجديد و يتحدثون عن هذا النبي الكريم .. و لم تكن في هذه المقابلة "بَيـعة" لأنهم نفر صغير لم يروا لأنفسهم الحق في أن يلتزموا بمعاهدة دون الرجوع إلى قبائلهم ولكنهم وعدوا بتبليغ أهلهم الإسلام وقد فعلوا .. ثم جاء موسم الحج التالي فجاء من المدينة 12 رجل يريدون مبايعة الرسول فبايعهم عند العقبة و سميت هذه المقابلة بين الأنصار و الرسول .. بيعة العقبة الأولى .. وأرسل معهم الصحابي مصعب بن عمير يعلمهم أمور دينهم فكان من أوائل سفراء الإسلام ..

* البيعة تعني : المعاهدة على الوفاء بما تم عقده أو وعده.


(24)

بعد أن بايع الأنصار (12رجل) الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى .. جاءوا في موسم الحج التالي (وهم 73 رجل و منهم إمرأتان) .. يريدون مبايعة الرسول .. فخرجوا بعد ثلث الليل الأول في آخر ليلة لهم في مكة بعد أن أدوا الحج .. يستخفون من المشركين وأهل مكة .. فكانوا يخرجون رجل و رجلين حتى اذا احتمعوا عند العقبة جاءهم الرسول و معه عمه العباس بن عبدالمطلب و كان مازال على دين قومه و لكنه جاء ليحميه و يتأكد من منعة و نصرة الأنصار له .. فبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أهلهم .. و ينصروه و هنا أعطاهم الرسول هذا الوسام و الشرف حينما سأله أحد الأنصار عن اذا أظهره الله هل سيعود إلى قومه و يتركهم؟ فقال الرسول " أنا منكم وأنتم مني " .. و عندما أوشك لقاء المبايعة على الانتهاء .. صرخ الشيطان في قريش ينذرهم بما يفعل محمد و أنصاره .. فقال لهم الرسول عودوا الى رحالكم .. و في اليوم التالي رحل الأنصار و كان المشركون قد تأكدوا من البيعة التي تمت فبعثوا في إثر الأنصار ليدركوهم و يردوهم فلم يدركوا منهم الا اثنان أحدهم أعجزهم و هرب .. و الاخر أرجعوه الى مكة و عذبوه و لم ينقذه سوى رجل من أهل مكة و السبب أن الرجل الأنصاري كان يحمي تجارته في المدينة . و رحع الأنصار الى المدينة و نشروا دعوة رسول الله كما بايعوه حتى باتت المدينة و ما فيها بيت إلا و يذكر فيه اسم محمد !




(25)


لما بايع موكب الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية و رحلوا داعيين الى الدين الجديد ثارت ثائرة قريش في مكة و اضطهدوا المسلمين فاستأذن المسلمون الرسول في الخروج و الهجرة الى بلد آخر لأنهم غير قادرين على تحمل مزيد من العذاب .. فخرج الرسول عليهم بعد أيام و قال لهم أن الله قد أذن لهم بالهجرة الى المدينة فجعل المسلمون يتسربون في خفية واحداً تلو الآخر حتى خرج المسلمون جميعا من مكة عدا أبو بكر و علي و بعض المستضعفين الذين لا يستطيعون الفكاك من قريش .. و خرج المسلمون بلا متاع ولا مال ولا اي شئ .. خرجوا فقط بأنفسهم وإيمانهم وقد أثنى الله عليهم في قران يُتلى الى يوم الدين : لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .
أما الرسول و أبو بكر فلم يؤذن لهم بالهجرة بعد ..




 
(26)

أذن الله للرسول في الهجرة في نفس اليوم الذي كانت قريش تجتمع لتبحث في أمره .. ذلك الإجتماع الذي اقترح عليهم ابليس ( في هيئة رجل ) بأن ينتخبوا رجل من كل قبيلة و يجتمعون عليه صلى الله علية وسلم بالسيف فيقتل و تنتهي قصته ويتفرق دمه بين القبائل و لا تستطيع بني هاشم وعبدالمطلب الأخذ بثأره و قد أُتفق على ذلك .. و في نفس اليوم في الظهيرة ذهب الرسول الى أبي بكر و كان لا يذهب له في الظهيرة ابدا فعرف أبو بكر أن هناك أمر جلل .. فجلس الرسول إلى صاحبه وأخبره بأمر الهجرة فسأله أبو بكر الصحبة ؟ فقال النبي (وأتخيله يبتسم ) الصُحبة .. وكان أبو بكر قد أعد لهذا اليوم من قبل راحلتين .. فدفعهما الى رجل من المشركين (عبدالله بن أريقط) كانوا قد استأمناه على أمرهما ليراعهما و ليأت بهما الى غار ثور بعد ثلاث ليال و يكون معهما دليل للطريق .. و كذلك كان من أبطال الهجرة عبدالله بن أبي بكر الذي كان يتلمس أخبار مكة و أحاديثها المتعلقة بالرسول و يخبرهما بها و عامر بن فهيرة و كان دوره محو أثار أقدامهم جميعا باستخدام الأغنام .. و طبعا علي بن أبي طالب الذي فدا الرسول و نام مكانه في داره و قد وكل إليه الرسول أن يرد الأمانات الى أهلها .. و لما اجتمع فتيان قريش على باب الرسول منتظرين خروجه .. وحانت ساعة الخروج أعمى الله أبصارهم عنه و خرج صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آيات من سورة يس " و جعلنا من بين أيديهم سداً و من خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" و أخذ بقبضة من تراب و ونشرها على رؤوسهم وأكتافهم .. و ذهب ليلتقي بأبي بكر ثم خرجا من باب خلفي لبيت أبي بكر .. و بعد مسافة التفت النبي إلى مكة وقال " و الله إنك لأحب البلاد إلى قلبي .. ولولا أن أُخرجت منك ما خرجت " و استكملا المسير الى غار ثور.



(27)

لما دخل المشركون بيت رسول الله فوجدوا علياً نائم في فراشه .. ذهبوا الى أبي بكر سألوا ابنته أين أبي بكر؟ فقالت لهم أنها لا تعلم فلطموا وجهها .. و بعثوا في البحث عن الرسول و صاحبه و أعلنوا مكافأة مئة ناقة لمن يعثر عليهم .. فطمع " سراقة بن مالك في المكافأة فخرج في إثرهما بعد ما سمع من أحدهم أنه رأى رجلين في طريق الساحل و هو طريق غير معتاد للسفر الى المدينة .. فركب سراقه فرسه و انطلق و فعلا أدرك الرسول و صاحبه و لكن فرسه توقف و لم يستطع أن يتقدم و غرست أقدامه في الأرض و نزل عنه سراقة و أخرج من جيبه أقداح ( مكتوب عليها افعل ولا تفعل !- عادات جاهلية يتخذون بها القرارات ) فخرج لا تفعل مرتين .. فناداهما وأعطاهم الأمان .. فتوقفا فحكى لهم عن المكافأة و شأن مكة و لان لهما قلبه و عرض عليهما الزاد و المتاع فلم يطلب منه الرسول الا أن يكتم عنهما و يخفي أمرهما و وعده أن له سوار كِسرى .. فرجع سراقة الى مكة كاتماً للخبر و لما إطمأن لوصول الرسول الى المدينة .. حكى قصته ..

(28)

لما سمع المسلمون خروج رسول الله من مكة كانوا يخرجون ينتظرونه فلا يردهم إلا حر الظهيرة .. وكانوا يرتدون أجمل ما عندهم من الثياب كيوم عيد .. (وهو فعلا يوم عيد للانسانية جميعاً لمن يعلم ) وكانوا يحفظون أطفالهم نشيد الاستقبال ولا يوجد حديث في المدينة إلا عنه .. فلما انقلبوا يوما إلى بيوتهم وكان هناك يهودياً صعد فوق حصن من حصونهم ينظر إلى أمر ما فرأى في الأفق البعيد رجال عليهم ثياب بيض فما ملك نفسه إلا أن صاح في الأنصار - لما انتقل اليه من حماستهم و شوقهم لمجيئه - يا معشر العرب .. هذا جدكم الذي تنتظرون .. فصاحوا في فرحة جاء رسول الله جاء رسول الله .. و خرجوا جميعا في فرحة و ابتهاج ليقابلونه و مشوا حتى بلغوا أطراف المدينة (يثرب) عند قباء .. وهم يغنون يا محمد يا رسول الله .. يا محمد يا رسول الله .. و طلع البدر علينا .. ومكث النبي في قباء بضع عشر ليلة ( هناك بُني مسجد قباء ) .. ودخل المدينة في ظل فرحة غامرة من أهلها .. وكان يوم لم تر المدينة مثله أبدا .. واستقبالاً جماهيرياً لم ير العالم مثله أبدا و لن ير .. و شرفت و نُورت به يثرب التي أصبحت بعد ذلك المدينة المنورة .
- عندما دخل الرسول المدينة .. دخل على راحلته .. تهافت الناس عليه أيهم يبيت عنده رسول الله .. فانتظر النبي أن تبرك الناقة علماً منه أنها مأمورة .. فبركت في المكان الذي بُني فيه المسجد النبوي اليوم .. فقال رسول الله هذا ان شاء الله المنزل ... فقام الأنصار جميعا يجهزون الأرض للمبنى و يخلطون الطين و عاونهم الرسول بيده و كانوا ينشهدون أثناء العمل : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة :. فانصر الأنصار و المهاجرة ... و حتى يتم استكمال بناء المسجد و بجواره حجرة لرسول الله قال الرسول : أي بيوت أهلنا أقرب؟ فكان بيت أبو أيوب الأنصاري فبات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .(يا بخته ) .

(29)

كان من أوائل ما فعله الرسول في المدينة أنه :
1- خصص نداء الأذان بعد مشاورة و عصف ذهني مع المسلمين فاقترحوا البوق و الناقوس فكره رسول الله ذلك لأنه يتشبه باليهود و النصارى حتى اقترح أحدهم بنداء للصلاة و لم يتم تحديده .. حتى اذا نام عبدالله بن زيد فرأى رؤية أن رجلاً أتاه علمه كلمات يجمع الناس بها للصلاة وهي " الله أكبر الله أكبر ... " الأذان الحالي المعروف الذي يصدر باستمرار من الكرة الأرضية من كل مكان متى ماحان فيه وقت الصلاة .. فذهب الى رسول الله و قص الرؤيا عليه فقال له أنها حق .. و لقنها بلالاً ليؤذن بها لأنه أندى صوتاً .. ( و هنايستفاد : أهمية أن يكون المؤذن صوته جميل و جذاب و مريح حتى يقبل الناس على الصلاة في حب و تأثر وخشوع)
2- خطب فيهم خطبة جميلة مغزاها وحدوا الله وأحبوه من كل قلوبكم و أحبوا ما يحب الله و أحبوا كلام الله وإياكم وما يغضب الله وتحابوا بروح الله.
3- آخى بين المهاجرين والأنصار فقال فلان أخو فلان و فلان أخ فلان .. وكان الأنصار أهل كرم قسموا كل شئ مع المهاجرين و استقبلوهم في بيوتهم و قاسموهم الأموال و زوجوهم منهم .. وكان الهدف هو ازالة الحمية الجاهلية و العصبية و القبلية و عدم وجود فوارق اقتصادية بين الانصار و المهاجرين الذين هاجروا و تركوا وراءهم كل شئ
4- كتب دستور .. ينظم العلاقات بين المسلمين في المدينة و بين المسلمين و غيرهم ) ( المدينة كان يسكنها الأوس و الخزرج وكان بينهم عداوات ذابت مع روح الإسلام الجديدة - يهود بني قينقاع - يهود بني النضير - يهود بني قريظة وكل يهود لهم حصن في المدينة يعيشون بداخله ) .. واحتوى الدستور على كل الحقوق و الواجبات وأن مرد كل خِلاف إلى الله والرسول.
5- كتب الى القبائل القريبة للمدينة يوادعهم و يعرض عليهم الاسلام فإن أبوا سألهم العهد على ألا يغدروا به ولا ينصروا عليه .. وهكذا كان الرسول يؤمن المدينة داخليا و خارجيا.

(30)

- كان الصحابي سعد بن معاذ من أهل المدينة .. وكان صديقا لأمية بن خلف و هو مشرك في مكة .. و كان سعد قبل أن يسلم اذا مر بمكة نزل على أمية .. و إذا أمية مر بالمدينة نزل على سعد .. فلما دخل سعد في الاسلام و مر بمكة و أحب أن يطوف بالبيت .. نزل على أمية و قال له أنظر لي ساعة خلوة أطوف بالبيت .. فأخرجه في نصف النهار فرآه أبو جهل فقال له مستهزئاً .. أراك تطوف آمنا بالبيت !؟ وقد أويتم الصباة ( الذين صبأوا و كفروا عن ديننا ) .. ! لولا أن أبو صفوان معك ( يعني أمية ) ما رجعت إلى أهلك سالماً !.. فرد سعد بن معاذ بكل قوة .. و الله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك الى الشام ! .. و هذه الحادثة تدل على أن قريش تعتبر أي مسلم من أهل الحرب .. مهدور دمه .. !
- و واقعة أخرى أصدرت قريش فيها شرارة القتال .. عندما كتبوا إلى عبدالله بن أبي سلول في المدينة وكان من عبدة الأوثان و لما دخل في الاسلام دخل منافقاً .. قالوا له : إنكم أويتم صاحبنا و إنا نقسم بالله لنقاتلنه .. أو لتخرجنه أو انسير إليكم جميعاً !! .. فاختار عبدالله بن أبي سلول أن يقاتل النبي !! فجمع له الرجال من المنافقين أمثاله .. فلما سمع الرسول بذلك لقيه و قال لهم أن هذه مكيدة من قريش تريد بكم أن تقتلوا أبناءكم وإخوانكم .. فتفرق الجمع و قضى رسول الله على الفتنة في مهدها
- من الموقفين السابقين .. يلاحظ أن قريش أعلنت الحرب على الاسلام و المدينة .. كيف سيتعامل النبي مع قريش حسب ما تقتضيه حالة الحرب ؟



(31)

بلغ النبي أن هناك قافلة لقريش بقيادة أبي سفيان عائدة من الشام و محملة بأموال عظيمة .. و طبعا جزء كبير من هذه الأموال هي في الأصل للمهاجرين الذين اضطروا للهجرة الى المدينة و ترك كل شئ خلفهم .. فقال النبي لأصحابه استردوا أموالكم .. و بما أن الحالة بين المدينة و قريش هي حرب فأموال العدو مستباحة و خاصة اذا كانت جزء منها هي اصلا أموال المهاجرين و من حقهم .. و خرج هو و الصحابة و كان عددهم 300 أوأكثر بعدد قليل و لم يكن في نيتهم الحرب .. بل استرداد الأموال فقط .. و كان أبو سفيان شديد الحذر يتلمس أخبارالمسلمين فلما بلغه أن محمدا تحرك بأصحابه ليقطعوا طريقه و يستردوا مالهم .. غير طريقه و سلك طريق الساحل .. و كان قد بعث رجل الى قريش ليبلغهم بأمر محمد و يناشدهم حماية القافلة و حماية سمعتهم فخرجت قريش في ألف تقريبا من الرجال .. و كانت قد استعدت لحرب ! .. و لما غير أبو سفيان طريقه و إطمأن على القافلة بعث برجل آخر يقول لهم إن القافلة بأمان و طلب منهم العودة إلى مكة و هنا إختلفت قريش فمنهم من عاد و منهم من أصر على لقاء محمد و تأديب المسلمين !
و لما بلغ سيدنا محمد اصرار قريش على الحرب استشار الأنصار و المهاجرين فاتفقوا على القتال .. و كانوا قد سألوا عن مواضع قريش و تحركاتهم فكانت قرب آبار بدر .. فنزل الرسول عند أقرب بئر لهم( وكانت هذه مشورة الحُباب بن المنذر) و خربوا ما حوله من الآبار .. كي لا يشرب المشركين .. و يضعفوا و تسهل هزيمتهم ..


(32)

من كواليس غزوة بدر .. في جانب المشركين
- رأي أكثر من شخص رؤيا سيئة جدا تقول بهزيمتهم و مقتل أسيادهم (رؤية عاتكة و رؤية جُهيم بن الصلت ).. و هذه الرؤى أرعبت المشركين .. وكانت من جند الله .
- دعى أبو جهل الله لينصر الحق و يهزم الباطل اعتقادا منه أن محمد باطلاً فاستجاب الله له فنصر الحق فعلا .

الكواليس في جانب المسلمين عند ماء بدر
- أنزل الله عليهم النعاس و المطر .. النعاس ليستريحوا و المطر ليثبت الرمل و ليطهروا به
- بنى الصحابة عريشة للرسول مشرفة على ساحة القتال ليسهل مراقبتها و ادارتها.
- أخذ الرسول يعطيهم أوامر عسكرية و حربية مثل : لا تسلوا السيوف حتى تتداخل الصفوف .. واستبقوا النبال حتى يكون العدو في مجال الاصابة و غيرها.
- استفاد سيدنا محمد من الظروف الطبيعية فجعل الشمس خلف جنوده .. و في أعين جنود العدو.
- رأى الرسول رؤية المشركون فيها عدد قليل فقصها على الجنود و هذا ثبتهم .. قال تعالى " إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)" الأنفال 43
- بعد تحضير كل شئ للمعركة دخل الرسول عريشته يدعو ربه و يستغيث .. فأنزل الله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " .. فخرج من العريش يبشر الناس قائلا "سيُهزم الجميع و يولون الدبر" .
- أخذ قبضة من تراب و نثرها في الجو فحملتها الرياح إلى أعين المشركين فشغلتهم وهذا معنى قوله تعالى " وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى ".



(33)

- بدأ القتال في شكل فردي فخرج 3 من المشركين يطلبون المبارزة فأخرج الرسول لهم 3 من جنوده .. فقتلوهم فاغتاظ المشركون و هجموا هجمة عامة .
- أخذ المسلمون بالأسباب و بذلوا ما عندهم فأيدهم الله بالملائكة فقاتلت معهم حتى اذا جاء الجندي المسلم ليضرب الرجل المشرك وجده ساقطا قبل أن يصل إليه سيفه .
- انتصر المسلمون في النهاية و قتل من المشركين سبعون و أُسر سبعون .. و قُتل من المسلمين 14 فقط .
- بعث الرسول عبدالله بن رواحة للمدينة يبشر أهلها بـ النصر .
- تم دفن الشهداء في أرض المعركة ..
- و أُلقي بالقتلى من المشركين في بئر مهجور و على حافة البئر وقف النبي و نادى القتلة بأسمائهم و كان فيهم عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أبو جهل و غيرهم من أكابر المشركين فسألهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟! إني وجدت ما وعد ربي حقا .. فسأله عمر بن الخطاب أتكلم الموتى؟ قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم .
- أما عن الأسرى فكان إما يقتلهم أو يمنن عليهم بالعتق او بالعتق مقابل فديه و كانت فدية البعض منهم أن يعلموا الأنصار الكتابة .
- و عن الأنفال أو الغنائم فقسمت بين المسلمين على السواء بما فيهم من تخلفوا لعذر !
وإلى هنا تنتهـــــــي غزوة بـدر و تبدأ مرحلة جديدة ..




(34)

غزوة قينقاع (سبب خروج يهود قينقاع من المدينة)

عندما عاد الرسول من بدر إلى المدينة .. أظهر اليهود بغضهم وحسدهم على انتصار المسلمين وكان بين اليهود في المدينة و الرسول عهداً بألا يقاتلوه ولا يغدروا به ولا ينصروا عليه .. فقال يهود بني قينقاع له : يا محمد لا يغرنك أنك قتلت نفراً من قريش لا يعرفون القتال .. إنك لو قاتلتنا لعرفت أننا نحن الناس ! .. فحذرهم الرسول من أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم بدر .. و أضمر اليهود نقضهم للعهد حتى جاءت امرأة مسلمة تشتري من سوقهم فحاولوا كشف وجهها فأبـت فعمد أحدهم الى طرف ثوبها فـربطه و هي جالسة فلما قامت بدت سوءتها .. فضحكوا جميعا فصاحت المرأة فقام أحد المسلمين فقتل اليهودي .. فقامت يهود عليه فقتلوه .. فاستصرخ أهل المسلم المسلمين ووصل الخبر إلى الرسول فسار إلى حصونهم على رأس جيش من الأنصار و المهاجرين .. و فاجأهم بحصار استمر 15 يوماً حتى وهنوا و استسلموا فأمر الرسول بـ تكتيفهم .. فـ كُتِفـوا .. فجاء عبدالله بن أبي بن سلول (وكان قد أسلم من قرابة شهر و لكنه دخل الاسلام منافقاً ) يشفع فيهم عند رسول الله فقبل الرسول شفاعته عسى أن يحسن إسلامه .. فطلب منهم أن يحلوا وثاقهم و اشترط عليهم أن يخرجوا من المدينة في خلال 3 أيام و أن يخرجوا بمتاعهم دون السلاح .. فحزموا أمتعتهم و تركوا مالم يستطيعوا حمله فكان غنيمة للمسلمين و رحلوا إلى أذرعات في الشام.
و بقى في المدينة يهود بني قريظة و بني النضير .. و ستأتي قصة خروجهم من المدينة .




( 35 )

غزوة أحد

كانت هزيمة قريش في بدر قد كسرت شوكتهم و ألحقت بهم العار و المذلة .. و لذلك بذلوا قصارى جهدهم لغسل هذا العار ورد اعتبارهم و الحفاظ على زعامتهم فجمعوا أموالاً لحرب محمد وأعدوا 3 آلاف مقاتل .. و كان العباس بن عبدالمطلب عم الرسول قد أسلم وأخفى اسلامه فبعث برسالة منه في مكة الى المدينة يحذر الرسول و يخبره بخبر جيش قريش .. فأعد الرسول لهم جيش من ألف مقاتل .. وعندما وصل جيش المسلمين الى مكان اسمه شواط بين المدينة وأُحد انسحب عبدالله بن أبي بن سلول ب ثلث الجيش 300 مقاتل قائلاً علام نقتل أنفسنا ! وكان هدفه أن يُحدث اضطراباً في جيش المسلمين .. فأصبح جيش المسلمين 700 مقاتل ..
لما وصل الجيش إلى أُحـد اختار الرسول مجموعة من الرُماة على جبل عينين ( جبل الرماة) و أوصاهم بشــدة ألا يبرحوا مكانهم مهمـــا حدث حتى تنتهي المعركة أو يأذن لهم
.



(36)
وبدأت المعركة بمبارزة فردية بين علي بن أبي طالب من المسلمين ، و طلحة بن عثمان من المشركين فضربه علي وأسقطه ..
- قاتل المسلمون بقوة حتى بدا لهم النصر .. فلما رأى الرماة الهزيمة حلت بالمشركين ترك أغلبهم أماكنهم و راحوا يجمعون الغنائم .. فلما رآهم خالد بن الوليد وكان ما زال مشركا .. وجد ظهرهم غير محمي فـ استدار بكتيبة من المشركين و جعل يقتل فيهم .. وكان يبحث عن رسول الله بين الجمع ليصل إليه .. وكان مصعب بن عمير شديد الشبه برسول الله و كان قد قتله أحد المشركين و ظن أنه قتل محمد و صاح فيهم قد قتلت محمدا فانهارت معنويات المسلمين و قواهم فمنهم من آثر الشهادة فماذا يصنع بالحياة بعد موت رسول الله و منهم من فر .
وكان رسول الله يقاتل مع المسلمين فأُصيب في وجهه و كُسر فكه .. وكان حوله مجموعة من الصحابة يذودون عنه .. تساقط معظمهم واحداً تلو الآخر ..
- انتهى الأمر بانسحاب قوات المسلمين الى شعاب أحد الجبال ..
- كان من شهدا أُحد مصعب بن عمير و حمزة بن عبدالمطلب و حنظلة بن أبي عامر ( غسيل الملائكة ) .. الأصيرم الذي دخل الجنة و لم يركع لله ركعة ،و مخيريق اليهودي و غيرهم و كل شهيد فيهم له قصة .
- و رجع الرسول الى المدينة و المسلمين مثخنين بالجراح و البيوت كلها هم و غم و حزن ..



(37) غزوة حمراء الأسد
فلما كان الغد من غزوة أحد .. لم يرد النبي أن تكون آخر ما تنطوي عليه نفوس المسلمين بعد أُحد هو احساس الهزيمة فخرج بهم .. و بهم فقط حيث اشترط ألا يخرج معه أحد الا الذين شهدوا أحد .. و وصلوا الى مكان اسمه حمراء الأسد و انتظر المسلمون 3 أيام و كان النبي قد بعث أحد الذين أخفو اسلامهم الى أبو سفيان يقول له أن محمد جاء بجمع لم يخرج مثله وكانوا يوقدون فيها 500 نار حتى توحي بكثرة عدد الجيش .. فخاف أبو سفيان و لم يرد العودة و لكنه استخدم عنصر الارهاب النفسي و الخدعة فـ بعث الى المسلمين مع ركب -كان باتجاه المدينة - يخوفهم فقال لهم الركب .. إن أبو سفيان وأصحابه أجمعوا على السير اليكم ليستأصلكم من الوجود .. فقال الصحابة حسبي الله و نعم الوكيل .. و استمر المسلمون في معسكرهم و كانت قريش قد آثرت العودة الى مكة .. فعاد المسلمون و هم منتصرون معنويا ..

(38)

جلاء يهـود بني النضير عن المدينة لمحاولة اغتيالهم النبي ..

كانت نتيجة غزوة أحد مشجعة لأعداء الاسلام على التعدي ( و كذلك بعد مصيبتي الرجيع و بئر معونة - ابحث عنهما) و كان اليهود يتحسسون أي نقطة ضعف للإنقضاض على الإسلام .. و صادف ذلك زيارة الرسول لهم يستعينهم في فدية لشخص قُتل خطأً .. ( كما في المعاهدة بينهم و بينه ) فاستقبلوه بكل لطف و كياسة و ما ان استداروا حتى بحثوا في كيفية قتله و اتفقوا على القاء الحجارة على رأسه و شرعوا في تنفيذ ذلك إلا أن الله أوحى الى النبي بخبرهم فأسرع سيدنا محمد عائداً إلى بيته .. و قال ان بني النضير نقضت العهد وأمر بإجلائهم .. و أمهلهم 10 أيام حتى يخرجوا .. فقال لهم المنافق عبدالله بن أبي بن سلول اثبتوا و نقاتل معكم فثبتوا فلما انقضت العشرة أيام ولم يخرجوا حاصرهم الرسول 15 يوم و خذلهم عبدالله بن أبي بن سلول .. و كان النبي قد أمر باحراق نخيلهم للقضاء على أسباب تعلقهم بالمكان .. فلما رأوا ذلك ضعفت نفوسهم و استسلموا و سألوا الرسول أن يؤمن خروجهم من المدينة فوعدهم بذلك على أن يخرجوا بكل متاعهم عدا السلاح .. فحملوا كل متاعهم و خربوا بيوتهم كي لا تكون غنيمة سهلة للمسلمين و تركوا السلاح .. و خرجوا يضربون الدفوف و يغنون كي لا يشمت بهم المسلمون ! .. و اتجهوا إلى خيبـر .. أما مسكانهم فقد أعطاها الرسول للمهاجرين الذين كانوا سكنوا مع الأنصار في بيوتهم بعد الهجرة وأيضا ممن لا بيت لهم (أهل الصُفة) ..

و هكذا خرجت يهود بني النضير من المدينة .. و تبقى فيها يهود بني قريظة و قصتهم ستأتي ..



(39)

غزوة ذات الرقاع

لما حدثت حادثة الرجيع التي قامت بها قبائل نجد و أُغتيل فيها 70 عالم من علماء و دعاة الصحابة الذين طلبوهم ليعلموهم دينهم .. لم تكتف أهل نجد (بني محارب و بني ثعلبة) بذلك بل جهزوا جيشا لملاقاة المسلمين لما علموا بغضبهم الشديد .. ما كان من الرسول إلا أن سار إلى عقر دارهم في 400 و قيل 700 مقاتل .. ففروا هاربين على رؤوس الجبال تاركين متاعهم و نساءهم و أطفالهم .. فأرهب ذلك كل القبائل التي تسول لها نفسها الإغارة على المدينة وعرفوا أن المسلمين قادرين على نقل المعركة إلى عقر دارهم .. و سميت بغزوة ذات الرقاع لأنهم ربطوا أقدامهم برقاع اتقاء للحر .. و حدث في طريق عودتهم نزلوا بوادي يستريحون فاستظل النبي تحت شجرة و علق بها سيفه فلما غفا .. أخذ أعرابي السيف و رفعه على الرسول و قال من يمنعك مني فقال الله فوقع السيف من يده فأخذه الرسول وقال من يمنعك مني؟ فعاهده الأعرابي ألا يقاتله ولا يكون مع قوم يقاتلونه فأخلى سبيله فرجع إلى قومه و قال : جئتكم من عند خير الناس ..


(40)

غزوة بدر الموعد
حدث حوار بين أبو سفيان و النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء غزوة أحد .. و واعدوا بعضاً على اللقاء في مثل هذا الوقت العام التالي في بدر .. فخرج الرسول في الموعد على رأس 1500 مقاتل و مكث في بدر ينتظر جيش المشركين غير أن أحداً لم يأت .. فرجع الرسول منتصرا معنوياً و شاع ذلك بين القبائل و اهتزت صورة قريش

غزوة دومة الجندل
بلغ الرسول أن هناك قبائل تتجمع لتغير على القوافل التجارية في مكان اسمه دومة الجندل وهي بلاد نائية على المدينة تقع في منتصف الطريق بين البحر الأحمر و الخليج العربي و تبعد مسيرة 16 ليلة من المدينة .. فخشي الرسول على المستقبل الإقتصادي للمدينة و الأمن العام للمنطقة اذا استفحلت هذه القبائل فتحرك لفض هذا التجمع و القضاء عليه .. وعندما وصلوا الى المكان تفرقت تلك القبائل على رؤوس الجبال و شعابها و تركوا متاعهم غنيمة باردة للمسلمين ..



(41)

غزوة بني المصطلق

قبيلة بني المصطلق كانت تشارك قريش الحرب ضد المسلمين في أُحد و كانت تقطع طريق المسلمين إلى مكة و كانت تجهز جيشاً للقاء محمد و أصحابه فبادرهم سيدنا محمد بجيش من 700 مقاتل و فاجأهم على حين غفلة فهزمهم شر هزيمة و اغتنم أغنامهم وإبلهم و سبى المسلمون بعض النساء و كانت منهم جويرية بنت الحارث التي تزوجها الرسول فيما بعد.. و هذا الزواج كان سبب لإطلاق 100 من الأسرى من قبيلتها و أيضا لبناء علاقات مودة مع قبيلة بني المصطلق و اسلام والدها و من ثم القبيلة كلها .. تقول السيدة عائشة .. ما أعلم إمرأة أعظم بركة على قومها منها ..
و خرج في هذه الغزوة بعض المنافقين طمعاً في الغنيمة لما رأو إطراد انتصارات المسلمين .. ولكن بلغ الحقد مبلغه فعمدوا الى إصابة النبي في أهل بيته .. فافتعلوا حادثة الإفك المعروفة في طريق العودة من هذه الغزوة ( غزوة بني المصطلق ) و الذي تولى هذه الحادثة هو عبدالله بن أبي بن سلول .. و انتهت بتبرئة الله للسيدة عائشة من الإشاعات التي أُلصقت بها .




(42)

غزوة الأحزاب (من أجمل الغزوات وأحبها لي )

عندما خرج يهود بني النضير من المدينة خرجوا و هم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين و رغبة في الانتقام .. فخرج منهم وفد الى قبيلة قريش و قبائل العرب ليستثيروا مشاعرهم و عداوتهم لمحمد و تدعوهم إلى الإتحاد جميعا لقتاله فوافقت قريش و وافقت قبيلة غطفان وهي قبيلة كبيرة جدا و كان مقابل دخول غطفان في الحرب أن تعطيهم اليهود كل تمر خيبر لمدة عام واحد .. أما قريش فدوافعها قديمة و معروفة .. و كان النبي على علم بتحرك هذه الأحزاب ضده .. حيث أنهم جمعوا 10 آلاف مقاتل ! و هو عدد لم يجمعوه قبل ذلك .. فاستشار النبي أصحابه فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة و هذه حيلة كانوا يصنعونها في فارس في المعارك .. فأعجب الرسول برأيه و بدأوا فوراً في حفر الخندق ..و اشتغلوا بجد وكانوا لا يوفرون دقيقة يمكنهم الحفر فيها إلا و حفروا .. و في هذه الغزوة أصاب المسلمون الجوع فربطوا على بطونهم الحجارة .. و هذا ما جعل جابر بن عبدالله يعد الشاه الوحيدة التي يمتلكها تأثرا بجوع الرسول .. و دعا إليها الرسول و نفر قليل من جيش المسلمين .. ولكن الرسول صاح في الجيش كله و دعاهم للطعام فأكلوا جميعا و شبعوا و قاموا عن الطعام و كأن لم يمسسه أحد بل هو أكثر مما وضعوه و هذه إحدى معجزات هذه الغزوة ..
وأكمل جيش المسلمين حفر الخندق ..


(43)


أقبل جيش المشركين و حاصروا المدينة و فوجئوا بالخندق الذي فشل خطة هجومهم .. فمكثوا خارج الخندق يناوشون جيش المسلمين بالنبال و السهام .. و وقع المسلمون في بلاء عظيم إذن نقضت بني قريظة عهدها و انضمت الى الأحزاب لقتال المسلمين .. ( وبني قريظة داخل المدينة ) .. فأصبح المسلمون بين نارين نار الأحزاب خارج المدينة و نار بني قريظة داخل المدينة .. استقبل الرسول نقض العهد بثبات و ارسل جزء من جيشه لحراسة النساء و الأطفال و المتاع داخل المدينة .. و كانت اليهود تبعث بالبعير محملة بالتمر والشعير لجيش المشركين فيعترضها المسلمون و يأخذوها .. .. وفوق كل هذا البلاء .. انشق جزء من الجيش و هم المنافقون بحجة أن بيوتهم عورة و تحتاج إليهم .. و الحقيقة أنهم خائفون من عدد المشركين و طول الحصار .. انشقوا و المسلمين عددهم أقل بكثير و في حاجة الى كل رجل .. وهنا بلغ البلاء أشده .. ففكر الرسول ماذا يفعل ففكر في صلح مع قبيلة غطفان على أن يعطبهم ثلث تمر المدينة وشاور الصحابة فكرهوا ذلك وقالوا أبعد أن أعزنا الله بالاسلام نعطيهم أموالنا .. و كانوا من قبل و نحن عبدة أوثان لا نعطيهم تمراً إلا بيعاً ؟! و الله ما لهم إلا السيف .. فأعجب الرسول بقوة معنويات الصحابة .

(44)
في هذه الأثناء ..
- تسلل رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم و قال له أنه قد أسلم ولا يعلم قومه بذلك فبماذا يأمره .. فأمره الرسول بأن يبث الخذلان في صفوف الأعداء وأن يفشل مخطط التخالف بينهم بـ استخدام الخدعة و كان نعيم رجلاً عبقرياً .. فذهب الى قريش و قال لهم إن غطفان ستطلب منكم رهائن لتسلمهم الى المسلمين لعقد صلح فيما بينهم و ذهب الى غطفان و قال لهم اطلبوا رهائن كي تضمنوا وجود قريش الى جانبكم و فعلا طلبت غطفان من قريش رهائن و عندها صدقت قريش نعيم و رفضت قريش اعطاء الرهائن و عندئذ صدقت غطفان نعيم .. ونجح نعيم في تشكيك كل جانب في الآخر ..
و كان الصحابة يسألون الرسول ماذا يقولون و بم يدعون فكان الرسول يقول لهم قولوا " اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا " و كان الرسول يدعي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب .. اللهم اهزمهم وزلزلهم " فاستجاب له ربه .. فأرسل ريحا باردةً عليهم فاقتلعت خيامهم و أكفأت قدورهم و أرعب قلوبهم .. حتى قال أبو سفيان أنه عائد إلى مكة فمن شاء يعود معه و تفرق الجمع بكل بساطة و فرغ الرسول لتأديب يهود بني قريظة ..




(45)

جلاء يهود بني قريظة عن المدينة

عاد الرسول من غزوة الخندق أو الأحزاب و تلقى أمراً من الله بقتال بني قريظة فقال لأصحابه لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة .. و توجهوا الى حصن يهود بني قريظة و حاصروهم 25 يوم حتى استسلموا .. و طلبوا من النبي أن يحكم فيهم سعد بن معاذ اعتقاداً منهم أنه سيرأف بهم نظرا للحلف القديم بينهم و بين قومه ( الأوس) .. فحكم سعد بأن يُقتل مقاتلهم و أن تسبى نساءهم و أطفالهم .. وأن تقسم أموالهم .. فأقر رسول الله ذلك .. و نجى منهم من دخل في الإسلام .. و هكذا تخلص الرسول من كل اليهود الذين كانوا داخل المدينة المنورة ( يهود بنو قينقاع و النضير وآخرهم قريظة) .. و فرغ الرسول للمحرضين على الدولة الإسلامية من الخارج و قتلهم من خلال ارسال السرايا اليهم .. أمثال سلام بن حقيق ،و يسير بن رزام .. أسياد يهود خيبر .


(46)

صلح الحديبية ..

رأى النبي رؤية .. فيها هو و أصحابه يطوفون بالكعبة.. فاستبشر و قصها على المسلمين ..و كان المسلمون أنصارهم و مهاجريهم يتوقون جدا لزيارة الكعبة .. فأذن النبي لهم فتجهزوا للعمرة بالإحرام و تجهيز الهدي و اتجهوا الى مكة .. و أخذوا معهم من السلاح ما يأخذ الراكب (احتياطي لأنهم سيكونون في وسط العدو - أهل مكة - ) و ليس المقاتل لأنهم لم يخرجوا لحرب إنما لعمرة .. و سمعت قبائل العرب كلها بذلك .. و تجهزت قريش لصده عن البلد الحرام و استعد خالد بن الوليد قبل اسلامه ب 200 مقاتل في صدر مكة .. فسلك النبي طريقاً آخر فبركت ناقته في الطريق ففهم الني أنها مأمورة و كانت قد بركت في الحديبية فعسكر فيها النبي والمسلمون وهم محرمون و معهم الهدي .. وهنا بدأت السفارات (ارسال سفير ) بين قريش و محمد .. فترسل قريش سفير وراء سفير ليقنعوه بالتراجع أو الحرب .. و يرسل سيدنا محمد سفرائه يقولون لهم ما جئنا لحرب إنما جئنا معتمرين ( و ليس لقريش حق في منع أحد يريد زيارة البيت الحرام لأنه حق أبناء اسماعيل جميعا ) .. حتى أرسلت قريش عُروة بن مسعود الثقفي .. فلما جاء عروة يكلم النبي قال له إن قريش تتجهز لك بحرب و ربما يفر عنك أصحابك و تهزم .. فرد عنه أبو بكر و قال أنحن نفر عن رسول الله أنسيت بدر و الخندق ماذا فعلنا ! وأشد عليه .. و لاحظ عروة أن الناس يتنافسون على الماء الذي توضأ به رسول الله و اذا تكلم يخفضون صوتهم و لاحظ كل تعابير الحب و الإجلال .. فرجع الى قريش يقول لهم " يا معشر قريش لقد دخلت على الملوك قيصر و كسرى و النجاشي ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدا" ! و عرض عليهم الصلـــح مع المسلمين

.
(47)

"بيعة الرضوان"

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان كـ سفير منه لقريش ليفهمهم أنهم لم يأتوا إلا لعمرة وأنهم لا يريدون حرباً .. فتأخر عثمان ( لطول المفاوضات ) و تأخر كثيراً حتى شُيع في معسكر المسلمين أن عثمان قد قُتل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال و الله ما نبرح مكاننا حتى نناجزهم .. فبايعه المسلمون تحت شجرة سُميت بعد ذلك شجرة الرضوان و سميت هذه البيعة باسمها .. لأن الله أنزل آية يرضى فيها عليهم.
ولما بلغ قريش عزم المسلمين على القتال بادروا بارسال سفير وهو سهيل بن عمرو وكان يتميز بالحنكة و تفاوض مع النبي وأصحابه و انتهوا إلى
1- لا يدخل مكة هذا العام و يدخلها في العام القابل.
2- هدنة بينهم 10 سنين.
3- من خرج من دين قريش الى الاسلام بدون موافقة وليه رُد الى قريش .. و من خرج من دين الاسلام الى قريش لا يُرد!
و رغم أن البند الأخير غير عادل فوافق الرسول لاتمام الصلح
وأثناء ذلك جاء ابن سهيل بن عمرو ( اسمه أبو جندل) و كان قد أسلم و استنجد بالمسلمين فصعب على المسلمين ذلك .. فحاولوا نقض الصلح فقال الرسول لابن سهيل ارجع و اصبر فإن الله جاعل لك و للمستضعفين فرجا .. و أخذ سهيل ابنه ..

قال الرسول لأصحابه إحلقوا رؤوسكم و اذبحو هديكم لا عمرة لكم هذا العام .. فلم يستجيب أحد ( غضبا لحادثة ابن سهيل بن عمرو .. و شوقا شديدا لاتمام العمرة و الطواف حول الكعبة و رجاء أن يأتي وحي بـ فرج من عند الله ) فقالها ثلاث مرات فلم يتحرك أحد .. فغضب الرسول .. ودخل على السيدة أم سلمة و حكى لها الموقف فـ أشارت عليه أن يخرج فيهم يحل ملابس الاحرام و ينحر هديه و يحلق .. ففعل .. ففهم المسلمون أن لا أمل في دخولها هذا العام وقاموا ففعلوا مثله ..




 
(48)


غزوة خيبر ..

حز في أنفس بني النضير جلاؤهم عن المدينة الى خيبر فألبوا نفوس يهود خيبر على المسلمين حتى أصبحوا مصدر خطر على الدولة الإسلامية و يكفي أنهم من أشعلوا فكرة الأحزاب و حرضوا بني قريظة على نقض العهد و كان ذلك سبباً في قتالهم .. فسار إليهم الرسول بجيش من المسلمين .. و خيبر مدينة ذات حصون قوية .. فاحتمى اليهود بأول حصن فيها .. فلما اقتحمه المسلمون لجأوا الى حصن آخر فلما أُقتحم لجأوا إلى حصن ثالث و من حصن إلى حصن حتى كان آخرهم فحاصرهم المسلمون بعد أن قطعوا عنهم مجرى الماء فاستسلموا .. وطلبوا الصلح و فتحها الرسول .. وكانت أكثر الغزوات غنيمة .. و قسمت الأموال و الغنائم على المسلمين .. و ارتجى اليهود من الرسول أن يردهم الى خيبر ليعملوا في مزارعها وقالوا له : نحن أعلم بالأرض منكم .. فوافق النبي على أن يكون لهم النصف فقط و على أن يخرجوا منها متى أمرهم النبي بذلك .. وهذا لادخار المسلمين لأن يكونوا جنودا و لأنهم فعلا أهل أرض فالثمار معهم ستكون أكثر وأجود خاصة أنهم لن يأخذوا أجر .. الا نصف الثمار قل أو كثر ..


(49)

عُمرة القضاء

ذكرنا في صلح الحديبية أن حسب العهد بين الرسول و قريش أنه سيرجع عن العمرة في عامه هذا و يأتي ليعتمر في العام المقبل و أن يدخل بدون سلاح .. و هذا ما حدث.. أقبل العام الموعود خرج الرسول معتمرا هو و المسلمون و معهم أسلحة .. لم يدخلوا بها مكة بل تركوها خارج مكة مع 200 فارس يحرسوها تحسباً لأي غدر .. و كان مشهداً مهيباً اذ كان الرسول و معه ألفين معتمر غير النساء و الأطفال .. و كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية مما جعل بعض أهل مكة يخرجون يقفون على أعالي الجبال ليشاهدوهم و البعض وقف جوار المسلمين يشاهدهم .. و كان قد وصل الرسول أن المشركين أطلقوا اشاعة أن حُمَّى المدينة أضعفت المسلمين ( قديما كانت المدينة معروفة بالحُمى حتى أن بعض أوائل المهاجرين أصيبوا بها عندما هاجروا ) فأمر النبي أصحابه بأن يسرعوا .. و أن يكشفوا عن عضدهم الأيمن .. و فعل معهم ذلك .. فكان منظرهم حماسياً و مهيباً فقال المشركون لبعضهم هؤلاء الذين زعمتم أن حمى يثرب قد وهنتهم؟ هم أجلد من كذا و كذا ..
و مكثوا 3 أيام اذا حضرت الصلاة يصلون .. و طبعا كان بلال بن رباح يرفع صوته الجميل بالأذان ( لزوم كيد المشركين ) .. و لم ينس الرسول الحراس الذين جاءوا للعمرة و الى الآن ما اعتمروا فبعث النبي من يقوم بمهمتهم حتى يتمكنوا من أداء العمرة .. و بعد انقضاء الثلاث أيام خرج النبي من مكة عائدا للمدينة .. و لقد كان لهذه العمرة أثر كبير في شرح صدور خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة للاسلام .. و هم قادة و أشراف في قومهم . حتى أنهم عندما جاءوا الى المدينة بعد ذلك ليسلموا قال النبي : " لقد ألقت إليكم مكة بأفلاذ كبدها "

عُمرة القضاء فتحت أبواب قلوب أهل مكة قبل أن يفتح المسلمون أبواب مكة نفسها

(50)

غزوة مؤتة ( حيث قوة العدو = 66 ضعف قوة المسلمين !!)

بعث رسول الله سفيرا الى الروم يدعوهم الى الإسلام فقتلوه و هددوا بالهجوم على المدينة و قاموا بالإعتداءات على كل من يدخل في الاسلام أو يفكر بذلك و كانت ديانتهم حينئذ النصرانية .. فجهز الرسول جيش من 3000 مقاتل و عين عليه 3 من القادة ( جعفر بن أبي طالب و عبدالله بن رواحه و زيد بن حارثة ) و لم يخرج معهم هذه الغزوة .. و ودعهم و أوصاهم بعدم التعرض للشجر ولا النساء و لا الأطفال ولا الشيوخ الغير مقاتلين .. ولا يهدموا بيتا .. و اذا لقوهم فيدعوهم الى الاسلام فإن أبو فإما الجزية و إما الحرب .. و لما بلغ الروم ( الرو كانت تسكن الشام و كان بالشام عرب كثير و عجم و هم الروم) فتجهز العرب بـ 100 ألف مقاتل و جهز هرقل عظيم الروم مثلهم فأصبح جيش الروم 200 ألف مقاتل مقابل 3 آلاف من المسلمين !!
تردد المسلمون في قتالهم و قالوا لا يعدل العافية شئ يكفي أرهبنا قلوب القوم .. حسم الأمر عبدالله بن رواحة و قال الظهور أو الشهادة .. فاصطدم الجيشان و قتل جميع القادة و اختار المسلمون خالد بن الوليد قائدا عليهم فدرس خالد ظروف الحرب و وجد أن الإنسحاب بأقل خسائر ممكنة هو الحل الأفضل .. وكان قد قتل من المسلمين كما يقول المؤرخون 12 فقط ! و تولى النبي أبناء ابن عمه جعفر بن أبي طالب .. و سُمي بعد هذه الغزوة جعفر الطيار لأن يداه الاثنان قطعا و هو يحمل راية المسلمين فرآه الرسول يطير بجناحين في الجنة .


(51) (فتح مكة ~ اسلام أبو سفيان )

كان من عادات العرب إقامة الأحلاف بين القبائل .. و عندما تعقد قبيلة حلف مع قبيلة أخرى هذا يعني أنها تعاهدها على المساندة و الدعم .. و كانت قبيلة خزاعة في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم و قبيلة بني بكر في حلف قريش .. وكان بين قريش ومحمد حينئذ صلح وعهد .. ولكن بين خزاعة و بني بكر عداوة فأمدت قريش بني بكر بالسلاح و ظنت أن محمد لن يعرف . و عندما علم النبي بنقض قريش للعهد غضب و بعث اليهم و قالوا إما تبرأوا من حلف بني بكر أو الحرب فاختاروا الحرب و عزم على قتالهم .. فجاءه أبو سفيان يشفع لـ خطأ قريش فلم يجبه الرسول ولا الصحابة فرجع الى قريش و أخبرهم بعزم محمد على الحرب .. فخرج سيدنا محمد على رأس 10 ألاف مقاتل حتى وصل الى وادي قريب من مكة فنزل فيه فقابله عمه العباس ( و كان قد أسلم ولكنه أقام بمكة حتى يكون جاسوسا للمسلمين يبعث اليهم بأخبار مكة - فلما انتهى دوره خرج من مكة لينضم الى المسلمين ) و لما رأى العباس ضخامة الجيش فقال و الله لئن دخلها عنوة قبل أن يأتوه إنها لهلاك قريش الى أبد الدهر .. فركب بغلته و اتجه الى مكة الى أبو سفيان سيد قريش في مكة فلقيه وأخبره و نصحه بأن يأتي معه يستأمنه و يسلم و ينجو بنفسه فلما كان الغد آتاه فقال له الرسول بكل رحمة .. ألم يأن لك يا أبا سفيان أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال أبو سفيان و كان يتوقع أن يشد عليه الرسول في حديثه فوجد فيه لطف هز كيانه )- بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك .. لو كان هناك إلهاً آخر لنفعني .. فقال له النبي ألم يأن أن تعلم أني رسول الله فقال أبو سفيان هذه في نفسي منها شئ .. فنصحه العباس أن يسلم .. فأسلم .. فقال النبي من دخل دار أبو سفيان فهو آمن( تكريما له و محاولة إزالة ما بنفسه ) .. و من دخل داره فهو آمن .. و من دخل المسجد فهو آمن ..
فرجع ابو سفيان الى مكة ينادي يا معشر قريش لقد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبو سفيان فهو آمن و من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن و من دخل المسجد فهو آمن ...
دخول مكة

(52)
دخل النبي و جيشه مكة من كل جهاتها بسلام دون قتال .. إلا كتيبة خالد بن الوليد التي تجمع لها بعض المشركون و قضى خالد على جمعهم و شتتهم .. ودخل الرسول وهو راكبا على راحلته حانيا رأسه خاشعا جدا لله ممتناً لفتحه .. و أخذ عصاه و ذهب الى الكعبة حيث يوجد حولها الأصنام .. فوكز الأصنام فأوقعها فتحطمت و هو يقول جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .. وكان بدخلها صورة لابراهيم و اسماعيل عليهما السلام و هما يستقسمان بالأزلام ( طريقة جاهلية لصنع القرارات مثل لعبة ملك و كتابة الحالية ) فقال النبي قاتلهم الله ما استقسما بالأزلام قط .. و صلى النبي في الكعبة ببعض الصحابة .. وأمر بلال أن يؤذن فصعد بلال فوق الكعبة وأذن فتجمع الناس .. و انتظروا حكمه فيهم فقال ماذا تظنون أني فاعل بك ؟ قالوا أخ كريم ابن أخ كريم .. قالوا لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم .. اذهبوا فأنتم الطلقاء و أسلم بعد دخول مكة .. أبناء رؤوس الكفر و الذين كانوا أشد الناس عداوة للاسلام و محاربة له .. مثل عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية بن خلف .. و سهيل بن عمرو .. وأخرون ..



(53) غزوة حُنين .. يوم أعجبتهم كثرتهم

هي أول غزوة بعد فتح مكة ..
لما أسلمت قريش .. بقى قبيلتان خطيرتان ما زالت تأخذهما العزة بالإثم ألا و هم : ثقيف و هوازن .. فخافوا و قالوا الآن فرغ لنا محمد فلنغزوه قبل أن يغزونا .. و تجمعوا وأخذوا معهم النساء و الأطفال حتى يقاتلوا باستماتة ولا يفروا عنهم .. و خرج المسلمون في 12 ألف مقاتل و هذا عدد لم يجمعه المسلمون من قبل .. فأعجبتهم كثرتهم .. و قال قائلهم لن نُغلب اليوم .. و في الناحية الأخرى كان قائد جيش المشركين يخطط للمعركة فأمر بعض الكتائب بالإختباء في أطراف الوادي ولا يظهروا حتى يتجمع المسلمين فيظهرون عليهم بالنبال و السهام فجأة ..

و ما ان تجمع المسلمون حتى نزلت عليهم السهام من حيث لا يعلمون ففر كثير منهم من أرض المعركة حتى بقى مع الرسول 9 فقط من الصحابة فنادى الرسول هلموا الى رسول الله و نادى العباس بن عبدالمطلب يا أصحاب بيعة الرضوان هلموا الى رسول الله و أنزل الله سكينته على المسلمين فرجعوا و أنزل الله جنودا أعانتهم على النصر .. فتعلم المسلمون أن الكثرة لا تغني من الله شيئاً .. فانقلب الوضع و فر المشركون تاركين كل ما يملكون 40 ألف راس من الغنم و 24 ألف من الإبل و الآلاف من النساء و الأطفال .. فأخذهم المسلمون غنيمة .. و عين الرسول عليها حراس و أخذ جيشه و تبع المشركين الفارين الذين توجهوا و احتموا بحصن الطائف .. فحاصرهم الرسول 40 يوم حتى قال من نزل الي منكم فاني اعتقه لوجه الله فلم ينزل الا 23 رجل .. و بعد 40 يوم قال الرسول إنا قافلون ( ولم يقتحموا الحصن ) .. و رجعوا ..

أما عن الغنائم قسمها الرسول عندما عاد من المعركة حتى كان نصيب الفرد من الأشراف 100 ناقة ! - و كان من ضمن السبايا شيماء بنت الحارث و لما تبين أنها أخت الرسول من الرضاعه من عليها و أعتقها و فرش لها عباءته لتجلس عليها .. و عند تقسيم الغنائم لم يعط الرسول الأنصار شيئاً فوجد الأنصار في أنفسهم من رسول الله فجمعهم و خطب فيهم خطبة مؤثرة قال فيها أنه إنما أعطاهم لأنهم حديثي اسلام .. ألا ترضون أن يذهب الناس بالغنم و أنتم تذهبون برسول الله .. قالوا رضينا برسول الله قسما وحظاً و هنا دعا الرسول لهم " اللهم ارحم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار " ..

(54)

حجة الوداع ..

فرض الحج في عام 10 هـ و قرر النبي الحج و خرج معه مسلمون كثيرون جدا .. و لاقى في طريقه كثير من المسلمين ينتظرونه ليسيرون معه إلى الحج فكان المسلمون عن يمينه و عن يساره و من خلفه أُمة كثيرة .. و هم يلبون معه " لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ... إلخ " فكان جمعاُ مهيباً ذو طاقة روحانية كبيرة جدا توجل القلب ( كثيرا ما أفكر في شعور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط هذا الحشد .. يسير و قد أصبح كبيراً في السن إذ تخطى الستين عام .. يمر شريط الذكريات أمام ناظريه .. خرج وحيــداً من مكة .. و بدأ بأعداد قليلة ممن آمنوا به .. ثم أصبحوا بفضل الله عشرات و مئات و ألوف بعد كثير من الجهد والمعاناة .. ربما تذكر أصحابه الكثيرين جدا الذي استشهدوا في سبيل أن تظهر و تتم دعوته و رسالته .. ألوف الآن يدكون الأرض دكا حوله في المعارك و يمشون هونا في سُبل الطاعات .. اللهم لك الحمد حمداً يرضيك كما أرضيته .. هذا هو النجاح .. أن تخرج وحيداً و ترجع بأُمة من خلفك صفا واحداً و قلباً واحداً و رسالة واحدة .. )
أدى الرسول مناسك الحج و المسلمون يتعلمون منه .. حتى خطب فيهم و من الخطبة " ألا إن دماءكم و أموالكم عليكم حرام .. و حذر من الربا و أوصى بالنساء خيراً .. وقال تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ما إن استعصمتم به .. كتاب الله .. و سألهم اذا سألهم الله عنه فماذا يقولون؟ قالوا نقول نشهد أنك قد بلغـت وأديـت و نصحـت .. فرفع اصبع السبابة و قال .. اللهم فاشهد .. اللهم فاشهد .. اللهم فاشهد . و أتم النبي حجته و طاف الوداع و رجع المدينة ..


(55) الفراق الإتنين 12 ربيع الأول .. 11 هـ

خرج النبي الى جنازة في البقيع و هو عائد أصابه صداع شديد و كان بداية المرض .. فرجع الى بيته و عصب رأسه بعصابة من شدة الصداع .. و اشتد به المرض و ارتفعت حرارته و كان يبيت كل ليلة عند إحدى زوجاته فكان يسألهن كل يوم : عند من غدا؟ ففهموا من سؤاله أن يريد زوجة بعينها ليقضي عندها تلك الأيام فسألوه فأخبرهم ببيت عائشة .. فجاء الفضل بن العباس و علي بن أبي طالب يحملانه و رأسه معصوب و رجلاه تخطان في الأرض خطا .. حتى جاء الى بيته حيث تجلس عائشة .. و استلقى على فراشه ..

و أراد أن يوصي الناس فأمر أن يصبوا عليه قرب من ماء فصبوا عليه 7 قرب .. و تحامل على نفسه و على أصحابه حتى وصل المنبر و ذكرهم بالله وأوصاهم و كان مما وصاهم به ألا يتخذوا قبره مسجدا ولا عيدا .. ويتحلل من الناس فقال من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد مني .. و كذلك من عرضه و ماله .. ! .. وأوصى بالأنصار خيراً ..

وقال لهم إن عبداً خيره الله بين زهرة الدنيا يؤتيه الله منها ما شاء و بين ما عند الله فاختار ما عند الله .. ففهم أبو بكر و بكى و قال فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله .. فقال النبي لو كنت متخذا خليلاً لاخذت أبو بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن .

و رجع بيته و ثقل المرض عليه حتى اذا جاءه بلال يؤذنه بصلاة العشاء فطلب منهم أن يهريقوا على وجهه الماء ففعلوا فتحامل على نفسه فلما قام وقع على الأرض فلما أفاق صبوا عليه الماء فلما قام وقع و لما علم أنه لن يستطيع قال مروا أبو بكر فليصل بالناس ..

فلما مر يومان و وجد الرسول في نفسه شيئا من الاستطاعة تحامل على رجلين و ذهب المسجد و كان الصحابة يصلون الظهر بإمامة أبو بكر فلما أحسوا بدخول رسول الله المسجد اضطربت صفوفهم فرحا به حتى كادوا يقطعوا صلاتهم .. فذهب الرسول أمام أبو بكر فجعل ابو بكر يأتم بالرسول و الصحابة يأتمون بأبي بكر .. و وصى النبي المسلمون بالصلاة و وصاهم ألا يجتمع في جزيرة العرب دينان .. و تصدق بكل أمواله ..

و رجع فراشه و كانت عنده فاطمة فلما رأته بكت و قالت واكرب أبتاه .. قال يا فاطمة .. لا كرب على أبيكي بعد اليوم وأسرها بكلمات بكت منها فاطمة و أسرها بكلمات أخرى فضحكت .. فأما الأولى كانت أنه سيقبض في هذا المرض .. وأما الأخرى كانت أنها أول من سيلحق به ..

و وضعت السيدة عائشة رأس سيدنا محمد ي حجرها .. و دخل عليهم عبدالرحمن أخو السيدة عائشة و في يده سواك .. فنظر اليه رسول الله فقالت له السيدة عائشة كأنك تريده يا رسول الله؟ فأبدى موافقة .. فأخذته و بللته بريقها وسوكت سيدنا محمد به .. فكأن آخر شئ دخل جوفه

وكان النبي يمسح وجهه بالماء وهو يقول لا اله إا الله .. إن للموت سكرات .. و يشير بالسبابة إلى السماء و يقول بل الرفيق الأعلى .. بل الرفيق الأعلى

و فاضت الروح ..


- - -

من كتاب
السيرة النبوية .. عرض وقائع و تحليل أحداث
لـ د. علي محمد الصلابي